الملوك الكاثوليك

إيزابيل و فرناندو


Fernando et isabel
الملكان الكاثوليكيان

يعتبر القرن 16 "العصر الذهبي لإسبانيا". وكان المعروف عن الجيوش الاسبانية أنها لا تقهر، وكانت الأموال تأتيها في شكل ذهب وفضة من العالم الجديد، وكانت لها إمبراطورية واسعة، ليس فقط في أوروبا، ولكنها امتدت عبر الأطلنطي إلى أمريكا فيما وراء البحار. ومع ذلك ففي منتصف القرن الخامس عشر، لم تكن هناك دولة تعرف باسم إسبانيا، فإن ما نعرفه بهذا الاسم كان في ذلك الوقت رقعة واسعة مقسمة إلى عدد من الممالك الصغيرة، كانت أهمها أراغون Aragon وكاستيّيا (قشتالة بالعربية) Castile ، أما الباقي فكانت غرانادا (غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس) Granada و نافار Navarre ، إلى أن كان العمل العظيم الذي قام به الملك (فيرناندو) Fernando ملك أراغون والملكة إيزابيل Isabel ملكة كاستيّيا، وهو توحيد هذه الممالك في دولة واحدة، وبذلك مهد الطريق للتوسع العظيم الذي حققته اسبانيا في القرن السادس عشر.


رجل بغيض؟

دم وعنف الاتحاد الكاثوليكي في اسبانيا
عنف الصراع الديني..والسياسي


  ولد فيرناندو في سوس Sos بأراغون يوم 10 مارس 1452، لأبيه جون الثاني John II ملك أراغون من زوجته الثانية، وكان للملك جون ابن آخر اسمه شارل من زوجته الأولى، ولكنه ميز أولاده من زوجته الثانية على حساب ابنه شارل. وكان لفيرناندو، عن طريق والدته جوانا هنريكيز Joanna Henriquez الحق في اعتلاء عرش كاستييا.


كان فرناندو رجلا طموحا، وكان أبرز صفاته الطمع والشراهة، كانت حياته كلها تتركز في رغبته الأنانية في الحصول على السلطة السياسية والنفوذ والتعالي. ففي سبيل تعزيز دعواه في عرش كاستييا، تزوج من ابنة عمه إيزابيل وريثة العرش المذكور، وقد تم الزواج في فالادوليد Valladolid عام 1469. 

أما إيزابيل فقد ولدت في 22 أفريل 1451، لوالدها جون الثاني ملك كاستييا. وقبل زواجها من فرناندو ملك أراغون بعامين، نادى بها أخوها هنري الرابع (هنريكي) Henrique 4 ولية للعهد على عرش كاستييا، بعد خلاف عائلي حاد على وراثة السلطة.


فرناندو وراء السلطة


توفي انريكي الرابع ملك كاستيا عام 1474، وفي الحال حاول فرناندو السيطرة على العرش، متجاهلا حقوق زوجته. لكن إيزابيل كانت ذات تصميم ومقدرة (كان برجها، برج الثور؟) فلم تسمح لفرناندو بالتدخل فيما صممت عليه من أن يكون لها دور نشط في حكم كاستييا. وفي عام 1479 تم الاتحاد بين المملكتين، فأصبح فرناندو ملكا على أراغون واعترف به ملكا على كاستييا، وفي نفس الوقت نودي بإيزابيلا ملكة على المملكتين. ومن الناحية القانونية، ظلت المملكتان منفصلتان، إلا أن العاهلين كانا على توافق سياسي في مملكة واسعة.


إرساء قواعد الحكم الملكي

كانت وجهات نظر كل من فرناندو وايزابيل متفقة على الطريقة التي تحكم بها البلاد. وفي تلك الفترة من القرن الخامس عشر، كان النبلاء قد سلكوا طريق الثورة والتمرد. ولا سيما في كاستييا، ونشبت معارك عديدة في جميع أنحاء البلاد، إلى أن تمت هزيمة النبلاء وهدمت قلاعهم. وزاد من ضعف نفوذ النبلاء في كاستييا، السياسة التي اتبعها الملك بإقصائهم عن المجلس والاعتماد على رجال من الطبقة الوسطى كموظفين مدنيين بالأجر في الوظائف الهامة. 



تطور لغة قشتالة كلغة اسبانيا - بين 1000 ميلادي ليومنا


أما في أراغون، فإن نفوذ النبلاء لم يضعف بنفس الدرجة، بل ظلوا محتفظين بقدر هائل من السلطة. وكانت البرلمانات Cortes في أراغون تخضع لسيطرة الطبقة الأرستقراطية التي كان لها من النفوذ قدر كبير، مما جعل السلطة الملكية هناك تبدو واهية. وكان لكبير القضاة بصفة خاصة من السلطة ما يضاهي سلطة الملك، فهو الذي كان يتوج ملوك أراغون وهم راكعون أمامه قائلا لهم: "نحن الذين نضاهيكم في المستوى، نقسم لكم أنتم الذين لا تفضلوننا في شيء، بأن نقبلكم ملكا وسيدا، بشرط أن تقبلوا حرياتنا وقوانيننا وإلا فلا..."

لم تكن أطماع فرناندو لتقف عند امتداد سلطانه على كاستييا، فقد كان يطمح في ضم باقي ممالك إسبانيا. في عام 1481 أعلنت الحرب على غرانادا، التي كانت بلاد المورة (الموريسك) Les mores المسلمين. أما فرناندو وإيزابيل فكانا كاثوليكيين من المتحمسين، وقد لقبهما البابا "بالملوك الكاثوليك". ودارت رحى الحرب، لتصبح صليبية، قاسية، ظاهرها عقاب على الضرائب، وباطنها، طرد لكل ما هو غير كاثوليكي من المسلمين واليهود واتباع شيع غيرهم.


بوأبديل يتقابل مع الملوك الكاثوليك
سقوط غرناطة

وقد تبع حرب غرانادا فترة من الاضطهاد الديني حاول فرناندو وايزابيل خلالها فرض المسيحية الكاثوليكية على جميع الرعايا. وفي عام 1492 طرد جميع اليهود من اسبانيا، وكان الطرد من البلاد مصير كل من يرفض التحول عن دينه ويعتنق المسيحية. وفي عام 1502، أمر المسلمون في غرانادا بالتحول عن دينهم وإلا تعرضوا لعقوبات صارمة. كانت أعمال محاكم التفتيش قد بدأت في اسبانيا في عام 1478 بقصد استئصال البدع، واستخدمت وسائل العنف البالغ في عمليات التحقيق والتعذيب والإعدام.


مولد عالم جديد 



بدايات كولومبس لم تكن السهلة
كولومبس يقدم رؤيته للملكة

 
كان عام 1492 ذا أهمية خاصة، ليس فقط بسبب الاستيلاء على غرانادا وطرد اليهود. ولكنه كان أيضا العام الذي اكتشف فيه كولومبس أمريكا.


كانت رحلة كولومبس Cristobal colon ترجع أساسا إلى التعضيد الحماسي الذي أظهرته له الملكة ايزابيل، فقد انغمست عميقا في الغزوات الخارجية التي كانت تعمل بها على زيادة رقعة مستعمراتها زيادة سريعة. وقامت ايزابيل بوضع التخطيط اللازم لإدارة حكم المستعمرات وتنظيم التجارة، وهو التخطيط الذي كان له أثر بارز على التشريع في اسبانيا لمدة قرون تالية. ويرجع الفضل للتأييد الذي قدمته ايزابيل لكولومبس في أن اسبانيا أصبحت أول بلد أوروبي يثبت أقدامه فوق العالم الجديد. وفي عام 1494، عقدت معاهدة تورديلا مع البابا والتي بمقتضاها تم تقسيم جميع الممتلكات الجديدة بين اسبانيا والبرتغال دون غيرهما.


ولم يكتف الملوك الكاثوليك بفتوحاتهم في اسبانيا وفي أمريكا، فقد التفتوا إلى ايطاليا واشتبكوا في حرب مع فرنسا في سبيل الممتلكات الايطالية. وفي عام 1503، أضيفت نابولي إلى مملكة أراغون.

وعلاوة على معارك فرناندو مع فرنسا في ايطاليا، فقد صمم على أن يبذل قصارى جهده لإخراج الفرنسيين من شبه الجزيرة أيبيريا Iberian Peninsula ذاتها، ذلك أن مملكة نافار كانت خاضعة للحكم الفرنسي من عام 1234 عن طريق المصاهرة، ولكن ملوك أراغون كانوا يطالبون بعرشها، إلى أن كان عام 1406، حين نجح فرناندو في تحقيق هذه الأمنية. وقد أدى الاستيلاء على نافار إلى تكوين ما يعرف الآن باسم اسبانيا، وفي عام 1516، تم الاعتراف رسميا بضمها.


إن طموح الملوك الكاثوليك، امتد حتى إلى دول شمال إفريقيا، في محاولة تمسيح وعرض للحرب، امتدادا لتوسيع نفوذهم.


توفيت الملكة ايزابيل في عام 1504، بسرطان المعدة، وكان المفروض أن تؤدي وفاتها إلى الانفصال بين أراغون وكاستيَا، حيث أن الوريث لإيزابيل كانت ابنتها خوانا (المجنونة Joanna ) ولكن فرناندو تجاهل حقوق خوانا التي كان يطالب بها زوجها فيليب، وتمكن من إقناعها بالتنازل عن حقها في العرش، واستمر في حكم كاستيا التي وضعها تحت إدارة الكاردينال اكسيمنز Ximines، كما عاود زواجه من أميرة فرنسية، ربما، للحصول على نسل من الذكور فقده من ايزابيل.



خوانا وريثة عرش إسبانيا
المجنونة وزوجها


هذا التصرف من فرناندو تبعه إدارة ناجحة للشؤون الداخلية والخارجية لمملكته الجديدة، كما كانت وسائله غير الشريفة مثلا يحكى في عدم احترام العهود. ومهما يكن من أمره، فإنه عندما توفي في عام 1516، كانت بلاده تدين له بالكثير، فقد تمكن بالاشتراك مع مملكته من توحيد اسبانيا وتدعيم السلطة الملكية، وشاهد بداية الإمبراطورية الاسبانية العظيمة في العالم الجديد.




.